من لم يكن منكم بخطيئة فليرمهم بحجر - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


من لم يكن منكم بخطيئة فليرمهم بحجر
وائل طربيه – 26\02\2008

حقق مقال الأخ يوسف الصفدي؛ "حول الدوري الإسرائيلي وليبرالية النوايا الحسنة" –الذي أتفقُ مع كثير مما جاء فيه-، حقق أبشع كوابيس الحوار؛... فهو لم يُغفل تسجيل وتلزيم المواقف أو الحكم على النوايا أو المزايدات والاتهامات..... مضافاً إلى كل ذلك سوء القراءة.

وهنا أتساءل: هل نريد اعتماد هذا النمط من الخطاب في التعامل مع قضايا يتفق الجميع على أهميتها -وإن اختلفوا في النظر إليها-؟. هل المطالبة بتأكيد المؤكّد عبر مواقف محددة، سلفاً، بثنائيات الأبيض والأسود، الخطأ والصواب، الوطني والعميل، (في مسألة اجتماعية شائكة، مركّبة ومربكة) هي أسلوب يعمِّق الوعي ويبتكر الحلول؟ هل مخاطبة الشباب الصغار (الذين سيصبحون رجالاً بعد حين) بكفوف من حرير –في وصف ساخر- هو ضعف وانحلال؟ وهل، بالمقابل، يدعونا هذا الخطاب إلى مخاطبتهم بقبضات من حديد؟!!

ما يضيفه مقال الأخ يوسف الصفدي -من حيث الأفكار التي في متنه- إلى ما قرأناه قبل ذلك، في كتابات كل الأخوة الذين ساهموا في هذا الحوار منذ البداية، أنه يقترح علينا آلية لكيفية النظر وكيفية التعاطي مع هذه المسائل، من خلال الفقرة التي تقول: ((ما أريد قوله للأخوة المتحاورين أن هناك أوضاعاً وأوقاتاً لا تخضع فيها أحكامنا لقوانين المنطق والديمقراطية وحقوق الفرد وحق الآخر في الاختلاف، ومع هذا فلن نختلف أنها الصواب بعينه، وكثيراً ما تكون الطرق التقليدية وحدس الجماهير الطريق الأسلم للخروج من إرباكات الفلسفة العقيمة والحوارات العميقة.))

إلامَ يجب أن تخضع أحكامنا إذن! لو وضعنا المنطق والديمقراطية وحقوق الأفراد وحق الاختلاف جانباً؟ لم يبقَ إلاّ الوسائل العنفية، والتهديد والوعيد بالويل والثبور! ثم أي أوضاع وأي الأوقات لا تخضع فيها أحكامنا لهذه القوانين؟ ومن يقرر ذلك؟ أم هي دعوة مواربة لاعتماد قانون الطوارئ؟!

أنا، وبصدق، لا أقصد تلزيم المقال أو تحميله ما لا يحمل، ولا أتصيُّد الكلمات لأدينها؛ -وبالتأكيد لا أقصد شخص الأخ يوسف الصفدي- بل أحاول تفكيك هذا الخطاب وهذه الذهنية التي تعبِّر عن نفسها بوضوح ومباشرة. هل ما أذهب إليه شأن تفصيلي غير ذي قيمة ويدخل في باب الفذلكة أو الإنشاءات المثالية؟.. يجوز!. شخصياً، لا أعتقد ذلك، ولا أعتقد أنني أخرج عن صلب الموضوع؛ لأن المسألة لم تنتهِ بعد، ولا يمكن أن تنتهي بمجرد الكتابة عنها أو بمقالات الإدانة وصلف مفشلي المؤامرات. النهاية العملية للمسألة تكون باجتراح الحلول وبناء وقائع جديدة على الأرض. طرائقنا في الحكم والمعالجة أشد خطورة من المشكلة ذاتها، فالأيام القادمة لن تنفك تطلع علينا بالمزيد من المشاكل والأزمات؛ لذا تصبح المراجعة الحقيقية لكيفية معالجتنا للأزمات أهم من الأزمات نفسها.

هنالك فرق كبير بين أن يُنظر إلى حراك اجتماعي من هذا النوع على أنه انهيار وانحلال للأجيال ومرتع للطفيليات! وبين أن نقرأه، مثلاً، كنداء استغاثة من الجيل الشاب، وأن نأخذ ما يقولون كمادة لفهمهم وتحسس أزماتهم لتقريب المسافة بيننا وبينهم. وسنجد فيما كتب منير فخرالدين وفي توصيف رامي أيوب لواقع الشباب وفي نقد إيهاب أبوجبل ونضال الشوفي -وفي صمت الاتحاد الرياضي!- وفي مقترح وهيب أيوب وفي كثير من تعقيبات غيرهم من المحاورين، نماذج تساهم، بتنوعها، في فهم الأزمة، وتجتهد لإيجاد المخارج، بل تقترح ما يمكن أن يكون حلاً رائعاً إن كُتب له التحقّق. (وأقصد هنا اقتراح وهيب أيوب).

المفارقة في الأمر أن هذا المقال يأتي متزامناً مع غياب صوت بعض الأخوة الذين تعودنا أن نسمع منهم نبرة عالية في مثل هذه المسائل، ليس لأنهم غافلون عنها، بل لأنهم قرروا اعتماد المنطق والتعاطي مع الأمر بهدوء ورويّة. أتمنى أن يُعتمَد هذا منهجاً، فليس من الحكمة بشيء أن نتعامى عن متغيرات الواقع، وليس بالضرورة أن تكون أدواتنا قبل أكثر من ربع قرن ناجعة في أيامنا هذه. حتى في ذلك الزمن، قررت القيادات الوطنية، بتفكير منطقي وإنساني وأخلاقي، رفض الأساليب العنفية اتجاه أبناء البلد الخارجين عن الإجماع الوطني. يوم ذاك كان مفصلاً تاريخياً لا يمكن مقارنة كارثيته بالأزمة الراهنة.

إذا كان نديم أيوب (اليوم.. وغداً كبش فداء آخر) ورفاقه في النادي ولاعبوه قد أخطؤوا التفكير والتقدير، فهل يكون ردّنا بتلزيمهم هذا الموقف وإغلاق الأبواب في وجوههم ووشم جباههم وأسمائهم بالعلم الإسرائيلي والتلميح أو التصريح بتنفيذهم لأجندات عن وعي أو بدونه؟! في نهاية المطاف هؤلاء ليسوا أعداءكم، والوطن، أولاً وأخيراً، هو الناس، والوطنية الحقة –كما أراها- تقتضي منّا أن نبقي الأبواب مشرّعةً للمراجعة والتراجع والتصحيح والتصويب. مخاطبة الأبناء والأخوة والأصدقاء بكفوف من حرير ليس عيباً ولا ضعفاً، وإشهار قبضات الحديد في وجوه الأطفال ليس رجولة.

لم تكن الغوغائية في يوم من الأيام أسلوباً ناجعاً في حل الإشكالات الاجتماعية. ربما قدرنا أن يكون الصوت الناشز الداعي إلى الغوغائية، المتعالي عن الإنسان والواقع، أسير الأيديولوجيات والعقائد والنصوص المقدسة والداعي إلى تحريك الغرائز، مكوِّناً ثابتاً في جوقتنا الاجتماعية..! ربما هو قدر كل مجتمعات الأرض، وربما لا تكتمل دائرة الوجود بغير هذا.

أومن أن بلدنا غني بعقول باردة وحكيمة ولن تُخلي الساحة للدعوات غير المسؤولة! لكن يبقى الخطأ حقاً إنسانياً والتصويب لازمته. ومن لم يكن منكم بخطيئة فليرمهم بحجر.

وائل طربيه
عقب على المادة

لا توجد تعقيبات حاليا